عبد الله العروي يصدر رجل الذكرى
صدر مؤخرا، عن المركز الثقافي العربي، للمفكر و الروائي المغربي عبد الله العروي رجل الذكرى، و هو نص مسرحي سبق للعروي أن كتبه و أصدره في بداية مساره الثقافي، و سبق أن نشر في مجلة أقلام أواسط الستينات من القرن الماضي.
و يعتبر هذا الإصدار الجديد صياغة جديدة للمسرحية، هاته الأخيرة التي وصفت في الغلاف الداخلي على أنها حوار تلفزيوني.
هذا و تتكون المسرحية، الواقعة في ثمانين صفحة، من ثلاث مشاهد، و ثمان شخوص.
تقديم رجل الذكرى بقلم عبد الله العروي
أصل هذا النص ورقات متناثرة حررتها خلال صيف 1958 و أنا قابع عند أخي في مدينة أكادير متبرما مما كان يجري في العاصمة.
لا شك في أن مقاطع كثيرة كتبت بالفرنسية قبل أن تعرب تعريبا حرفيا، فيما حرّر الباقي بلغة هجينة تمتزج فيها الفرنسية المدرسية بالعربية العتيقة المشبعة بالمفردات العامية ذات الطابع الصوفي.
ظننت طيلة شهور أني أضعت تلك الورقات ثم عثرت عليها بالمصادفة و أنا في القاهرة أثناء صيف 1960. أعدت صياغتها و كلفت أحد الأشخاص بطبعها على الآلة.
لا أظن أني وفّقت فيما قمت به من تحرير و تنقيح. لما عرض النص على مدير مجلة “دعوة الحق”، الصادرة عن وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية، اعتذر قائلا إنه لا ينشر نصا لا يفهمه.
أميل اليوم إلى تصويب رأيه، رغم أن مؤسس مجلة أقلام رحب بالنص و نشره في العدد الأول.
قرأت مؤخرا رجل الذكرى بعد مرور ما يقرب أربعة عقود. استثقلت الأسلوب غير المتجانس و زدت قناعة أن المرء لا يتعلم الكتابة إلا بالكتابة. لذلك قررت مراجعة النص مراجعة تامة حتى لا ينفر من مطالعته قراء اليوم.
ما شجعني على نشره مجددا رغم عيوبه الجلية و الكثيرة هو أنه يتضمن نواة كل ما ألفت في ما بعد، أكان إبداعا أو نقدا ثقافيا.
حول ماذا تدور رواية الآفة ؟ حول الذاكرة.
حول ماذا تدور تحليلات السنة و الإصلاح؟ حول الذكر.
ذكرى. ذاكرة. ذكر.. ألفاظ تشير إلى ظاهرة، حيثية، سمة تميز، في ما أرى، الإنسان العربي بين أقرانه و معاصريه. أرى في هذه الخاصية مشكلة بل أم المشكلات، في حين أن غيري يراها عادية طبيعة. أتساءل باستمرار: ما أصلها ؟ ما مآلها ؟ ماذا يتولد عنها في حياتنا العامة و الخاصة ؟ تمثل، بالنسبة إلي، “الموضوع” ذاته الذي قلت عنه إننا نجري وراءه و لا ندركه أبداً.
من رجل الذكرى ؟
طبعا هو القاص، الحافظ، المذكر، المنذر، في حلّتيْه القديمة و الحديثة. لكن كل واحد منا قاص، و لو في جانب واحد من تفكيره، و تصرّفاته.
يقول عباس لعمر، أي يقول المؤلف لظلّه: لماذا تحكم على القاص بالاندثار؟ فيرد عمر، أي المؤلف: بل هو الذي حكم على نفسه.
هذه هي القطيعة التي أطلت في شأنها الكلام و قلت إنها مقدمة ضرورية لكل إصلاح (أي ثورة) يتوخى التغيير لا الترميم.
قيل إن القطيعة أمر مستحيل و إن المؤرخ، و هو بالتعريف المؤتمن على إرث الماضي، يناقض نفسه إذ يقول بها.
لم أقل بالقطيعة كحافظ للماضي بل كدعاية للإحياء و التجديد، بعث حياة جديدة، مستأنفة، في نفس من كاد القديم، ترديد القديم، أن يخنقه و يجمّده.
يلاحظ عمر على المسرح (النص مسرح ضمن المسرح) أن استلهام الماضي لا يستقيم. لا يحكم على الماضي الماضي بل على الماضي الحاضر أو المستحضر.
يسجل عمر انحلال علاقته بماضيه كما يسجل عجزه عن ربط علاقة قوية جديدة مع الحاضر كما تمثله سونيا من جهة و كما يمثله سام من جهة ثانية، فيواجه وحيدا أعزل المستقبل الغامض، و من وراء المستقبل الزمن المتحكم في كل شيء:
“و أنت أيها الملك العاتي، أرفق بنا و اجعل من كلامنا هذا لغواً لا يتجدد”.
هل جاد علينا الزمن ببعض النسيان؟ هل توقّف هذياننا أم تواصل و تجدد؟
هذا سؤال المؤلف لقارئ اليوم.