علي سالم: الممثل.. ذلك العاقل المجنون
كتبها: علي سالم – عن جريدة الشرق الأوسط.
اخل كل ممثل توجد دار للحكمة ومستشفى للأمراض النفسية والعصبية، وقد تجد أيضا ملاكا وشيطانا يجلسان معا في حالة ود وانسجام. ولقد مرت عليّ عشرات الأعوام من الأشغال المسرحية الشاقة، قبل أن أصل إلى حقيقة أعلنتها عدة مرات من قبل، وأعود لتذكيرك بها، وهي أنه في المسرح يبدأ عملنا بالتمثيل وينتهي به. كل أفراد جيش العاملين في المسرح، بمن في ذلك أعمدته الأصلية، بمن فيهم عمود الخيمة الرئيسية وهو المؤلف، ثم المخرج والديكوريست وواضع الموسيقى ومصمم الملابس و.. و.. و.. كل هؤلاء يعملون متعاونين لخدمة الممثل. أو بمعنى أدق لخدمة مهنة التمثيل. النص المسرحي ليس إلا خطة تمثيل كتبها ممثل سبق له أن احترف التمثيل.. والخروج على النص هو خروج على فن التمثيل، أي عدوان على فن المسرح ذاته. مرة أخرى أعود للنص المسرحي لكي أهمس في أذنك، المسرح ليس أدبا، المسرح فن. فالأدب أدواته اللغة، أما المسرح فأداته الرئيسية هي الفعل الدرامي. ليس معنى ذلك أنني أنفي صفة الفن عن الأدب، فقط أنا أريد أن أقول إن الأديب الممتاز الذي لم يقف على خشبة المسرح في حياته، يرتكب حماقة كبرى عندما يكتب مسرحية.
وعندما ننظر إلى الوراء، من المستحيل أن نجد مؤلفا مسرحيا لا يحترف التمثيل، أو كان يحترف التمثيل ثم تفرغ للإخراج وإدارة الفرقة. تستطيع أن تبدأ بشكسبير، وأن تنتهي بموليير واسترنبرغ إلى أن تصل إلى نجيب الريحاني وبديع خيري. وأرجوك.. لا تتصور أن إدارة فرقة مسرحية أمر سهل، من الصعب للغاية قيادة مجموعة من العقلاء المجانين، كل منهم يعتقد أنه أكثر عبقرية من الآخرين، وأنه يستحق أكثر مما يحصل عليه من أجر وتقدير.
أنا أعتقد أن نجيب الريحاني قدم لنا نموذجا في إدارة فرقة مسرحية من الصعب تكراره. كان من الواضح أنه كان يحترم موهبة كل منهم أشد الاحترام. كان هو صاحب الفرقة المسرحية أما على خشبة المسرح، وهو يقف مع زملائه، فقد كان يمتلك فقط نصيبا مساويا لكل منهم.
أريدك أن تتخيل ملحنا تقدمت إليه مطربة جديدة لم يسمعها أحد من قبل، وطلبت منه أن يلحن لها أغنية. في البداية سيسمعها في أغنية ليست لها، وعندما يتأكد أن صوتها جميل ومتميز، سينشغل بأمر آخر هو اكتشاف أجمل المناطق في صوتها. بعدها سيعد لها اللحن، معتمدا على هذه المناطق. هذا هو بالضبط ما يفعله المؤلف المخرج الممثل صاحب الفرقة، إنه نجيب الريحاني، بمشاركة بديع خيري كانا يعرفان المناطق الممتازة في أداء كل ممثل في الفرقة. لذلك كان من السهل عليهما كتابة أدوار لأعضاء الفرقة، تظهر عند كل منهم أعظم مستوى للأداء التمثيلي يمكن الوصول إليه.
تستطيع أن تسألني: هل كان من حقهم الارتجال.. أي الخروج عن النص مثل ممثلي الجيل الحالي؟
وأرد عليك: اخرس.. اتفضل قوم من هنا.. أخرج بره يا عدو المسرح.