نعوم تشومسكي: العالم مصمم على السقوط نحو العدم
استضافت قناة يورونيوز الفيلسوف و عالم اللسانيات الأمريكي نعوم تشومسكي، و أجرت معه هذا الحوار:
نص الحوار:
ايزابيل كومار- يورونيوز: نعوم تشومسكي، شكرا لحضوركم . في عام 2015 ، اننا نعيش في عالم يبدو غير مستقراً. لكن بشكل عام، هل أنت متقائل أم متشائم؟
نعوم تشومسكي:
على الصعيد العالمي، اننا نسرع نحو الهاوية، مصممون على السقوط نحو العدم، وهذا يقلل كثيراً من احتمالات البقاء على قيد الحياة بشكل لائق.
يورونيوز:
“ أي نوع من الهاوية؟”
نعوم تشومسكي:
“في الواقع، هناك هاويتان، كارثة بيئية باتت وشيكة، لم يعد لدينا الكثير من الوقت للحد منها. اننا نسير في الطريق الخاطيء. والثانية تعود إلى سبعين عاما،
كان هناك خطر الحرب النووية، خطر لا يزال ينمو. اذا نظرتم الى هذا الملف، بقينا على قيد الحياة بمعجزة”.
يورونيوز:
“ لنتحدث عن القضايا البيئية، طلبنا من متابعينا عبر مواقع التواصل الاجتماعي إرسال اسئلتهم فتلقينا الآلاف منها . سؤال من أنوا أغولي ، لتحليل مسألة البيئة بنظرة فيلسوف، ما رأيكم في التغير المناخي؟”
نعوم تشومسكي:
“ الجنس البشري هرم حوالي مائة ألف سنة ويواجه الآن إنعطافة فريدة في تاريخه. الآن، انه في مرحلة سيقرر فيها قريبا، خلال الأجيال القريبة المقبلة، إن كانت التجربة التي تدعى الحياة الذكية ستستمر أم اننا مصممون على تدميرها. العلماء صرحوا أن الوقود الأحفوري يجب أن يترك داخل الأرض إن أردنا أن نترك لأحفادنا آفاقاً لائقة. لكن الهياكل المؤسسية تضغط على مجتمعنا في محاولة لانتزاع كل قطرة. آثار وعواقب هذا على البشرية، والآثار المتوقعة على تغير المناخ في المستقبل القريب، تعد كارثة ، اننا في سباق نحو الهاوية.”
يورونيوز:
“فيما يتعلق بالحرب النووية، تم التوصل إلى اتفاق مبدئي مع إيران. هل هذا يعد بصيص أمل يجعل من العالم مكاناً أكثر أمنا؟ “
نعوم تشومسكي:
“ أؤيد المفاوضات مع إيران لكنها معيبة جداً. هناك نوعان من الدول التي تعيث فسادا في منطقة الشرق الأوسط وتقوم بالاعتداءات والعنف والأعمال الإرهابية، وغير القانونية، وباستمرار. انها الدول التي تمتلك الأسلحة الثقيلة والأسلحة النووية . ولم تؤخذ أسلحتها النووية بعين الاعتبار “.
يورونيوز:
“ من هي هذه الدول ؟ “
نعوم تشومسكي:
“ الولايات المتحدة وإسرائيل. اكبر دولتين نوويتين في العالم. هناك سبب، استطلاعات الرأي الدولية التي تديرها وكالات إقتراع أمريكية، أظهرت أن الولايات المتحدة هي أكبر تهديد للسلام العالمي بأغلبية ساحقة. المثير للاهتمام هو أن وسائل الإعلام الأمريكية رفضت نشر هذا الاستطلاع. لكن هذا لا يغير الواقع.”
يورونيوز:
“ الرئيس الأمريكي أوباما لا يُحضى بتقدير كبير من قبلكم . هل هذا الاتفاق يجعلكم تعتقدون انه في ظرف أفضل ؟ حقيقة أنه يحاول الحد من خطر نشوب حرب نووية؟”
نعوم تشومسكي:
“ في الواقع انه لا يفعل شيئاً. أعلن عن برنامج من آلاف المليارات من الدولارات لتحديث نظام السلاح النووي الأمريكي، هذا يعني توسيع نطاق نظام السلاح النووي. هذا هو أحد الأسباب الذي أدى إلى تقديم عقارب نهاية العالم بدقيقتين لتصبح قبل بثلاث دقائق قبل منتصف الليا حسب نشرة علماء الذرة. هذا لم يحدث منذ ثلاثين عاما. منذ عهد ريغان حيث كان هناك خطر حرب نووية كبرى “.
يورونيوز:
“ ذكرتم الولايات المتحدة وإسرائيل مع ايران. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرفض الاتفاق المبدئي المتعلق ببرنامج إيران النووي، ويقول ….”
نعوم تشومسكي:
“ هذا مهم، ينبغي أن نسأل لماذا “.
يورونيوز:
“ لماذا؟”
نعوم تشومسكي:
“ نعلم لماذا. النفقات العسكرية لايران منخفضة جدا حتى وفقاً لمعايير المنطقة. العقيدة الاستراتيجية الإيرانية عقيدة دفاعية، انها تستند إلى عدم اللجوء إلى العنف لأطول فترة ممكنة وإحلال الدبلوماسية محله، الولايات المتحدة وإسرائيل، دولتان مارقتان، لا تحتملان الرادع. لا يوجد أي محلل استراتيجي يعتقد أن إيران قادرة على استخدام السلاح النووي. وإن قامت بهذا، فأنه سيؤدي وببساطة إلى تبخر البلد، ليس هناك أي مؤشر يشير إلى أن رجال الدين في السلطة، مهما كان رأيكم فيهم، يريدون رؤية بلادهم مدمرة “.
يورونيوز:
“ سؤال آخر عن هذه القضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من مورتن أندرسون، يسأل:” هل تعتقدون أن الولايات المتحدة يمكن أن تتوصل إلى اتفاق يمكن أن يشكل خطرا على إسرائيل ؟ “
نعوم تشومسكي:
“ الولايات المتحدة مستمرة بالقيام بإجراءات تشكل خطرا على إسرائيل، جدياً. كل ما تعتقده دعماً للسياسة الإسرائيلية وعلى مدى السنوات الأربعين الماضية. أكبر تهديد لإسرائيل كان سياساتها. إن عدنا إلى الوراء، إلى العام 1970، إسرائيل كانت من بين الدول الأكثر احتراما وتقديرا في العالم. كان هناك الكثير من المواقف المؤاتية. الآن، انها واحدة من أكثر الدول كرهاُ ورعبا في العالم.
في بداية السبعينيات إسرائيل اتخذت قراراً. كان لديها امكانية إتخاذ القرار، انها فضلت التوسع على الأمن، قرار يحمل في طياته عواقب وخيمة.
عواقب كانت واضحة آنذاك – كتبت هذا كآخرين غيري، تفضيل التوسع على الأمن سيؤدي إلى الإنحطاط الداخلي، والغضب، والمعارضة، والعزلة والدمارالشامل . دعم هذه السياسات يعني أن والولايات المتحدة تساهم في التهديدات التي تواجهها إسرائيل.”
يورونيوز:
“هذا يقودني إلى موضوع الإرهاب . انها ظاهرة عالمية، بعض الأشخاص، أعتقد أنكم من بينهم أيضاً، سيقولون إنها ردة فعل على السياسة الأمريكية الإرهابية في جميع أنحاء العالم. ما مدى مسؤولية الولايات المتحدة وحلفائها بالنسبة للهجمات الإرهابية في جميع أنحاء العالم؟ “
نعوم تشومسكي:
“تذكروا أن أسوأ حملة إرهابية في العالم ، من بعيد، هي التي نظمت في واشنطن، انها حملة اغتيال عالمية، لم يسبق وان كانت هناك حملة ارهابية بهذا المستوى.”
يورونيوز:
“ حين تتحدثون عن حملة اغتيال عالمية …؟
نعوم تشومسكي:
“حملة الطائرات بدون طيار. على أجزاء واسعة من العالم، الولايات المتحدة بشكل منهجي، علنا، وصراحة، ما أقوله ليس سراً، الجميع يعرف هذا، انها تنفذ حملات منتظمة لإغتيال الأشخاص الذين تشك بانهم قد يلحقون الضرر بالحكومة الأمريكية في يوم ما. الواقع، كما ذكرتِ مسبقاً، انها حملة ارهاب . مثلاً، عند قصف قرية في اليمن، وقتل شخص ما ، لربما هو الذي كان مستهدفاً ولربما لا . أشخاص غيره كانوا موجودين في الحي، هم أيضاً سيقتلون، كيف سيردون؟ انهم سينتقمون”.
يورونيوز:
“ تتحدثون عن الولايات المتحدة كدولة إرهابية رائدة. أين هي أوروبا في هذه الصورة ؟ “
نعوم تشومسكي:
“ انه سؤال مهم. مؤخراً، صدرت دراسة أعتقد أنها كانت من قبل مؤسسة المجتمع المفتوح … أسوأ أنواع التعذيب هو تسليم السجناء. تلقون القبض على شخص مشكوك فيه، وتسلمونه إلى الدكتاتور المفضل لديكم، ربما الأسد أو القذافي أو مبارك، للقيام بتعذبيه،
على أمل الحصول على شيء ما منه. انه تسليم إستثنائي. الدراسة استعرضت الدول التي شاركت في هذا، بالتأكيد دول الشرق الأوسط لأن السجناء ارسلوا إلى هذه الدكتاتوريات لتعذيبهم، أغلب الدول الأوربية شاركت أيضا، انكلترا والسويد ودول أخرى، هناك منطقة واحدة فقط في العالم لم تشارك هي أمريكا اللاتينية. المثير للجدل هو أن أمريكا اللاتينية الآن خارج سيطرة الولايات المتحدة . حين كان مسيطراً عليها من قبل الولايات المتحدة، منذ فترة ليست طويلة جدا، كانت مركزاً للتعذيب في العالم . الآن، انها لم تشارك في أسوأ شكل من أشكال التعذيب، وهو التسليم. أوروبا شاركت. حين يظهر السادة ينحني العبيد. “.
يورونيوز:
“ هل أوروبا خادمة للولايات المتحدة؟”
نعوم تشومسكي:
“بالتأكيد. انهم جبناء جدا لاتخاذ موقف مستقل.”
يورونيوز:
“ كيف تصفون فلاديمير بوتين؟ وصف على أنه من بين أخطر التهديدات للأمن. هل هذا صحيح؟ “
نعوم تشومسكي:
“كمعظم القادة، انه يشكل تهديدا لشعبه. من الواضح انه قرر القيام بأعمال غير مشروعة. لكن وصفه كوحش مجنون يعاني من مرض في الدماغ ومصاب بمرض الزهايمر ومخلوق شراني انه تخيل تحدث عنه الكاتب جورج أورويل . أعني أنه مهما كان رايكم بسياساته، فانها تبقى مفهومة. فكرة امكانية إنضمام أوكرانيا إلى تحالف عسكري غربي لا يمكن أن تكون مقبولة لاي زعيم سوفيتي. هذا يعود إلى العام 1990، حين إنهار الاتحاد السوفيتي. كان هناك سؤال يتعلق بما سيحدث للناتو، غورباتشوف وافق على فكرة توحيد ألمانيا وانضمامها إلى الناتو. كان تنازلا ملحوظا مع مقايضة تنص على عدم توسيع حلف شمال الاطلسي بوصة واحدة إلى الشرق. هذه هي العبارة التي تم استخدامها آنذاك”.
يورونيوز:
“أذن تم تحريض روسيا؟ “
نعوم تشومسكي:
“حسنا، ماذا حدث؟ حلف شمال الاطلسي تحرك لغاية ألمانيا الشرقية، ثم جاء كلينتون وقام بتوسيع حلف شمال الاطلسي لغاية حدود روسيا. الآن، الحكومة الأوكرانية الجديدة، بعد الإطاحة بالحكومة السابقة، صوتت 300 مقابل 8 أو شيء من هذا القبيل، للانضمام إلى الناتو “.
يورونيوز:
“لكن لماذا يريدون الانضمام الى حلف شمال الاطلسي؟ هل لأن حكومة بترو بوروشينكو ترى أن هذا يعد حماية لبلادهم؟ “
نعوم تشومسكي:
“لا، لا، لا. هذه ليست حماية. لقد تم ضم شبه جزيرة القرم بعد الإطاحة بالحكومة، أليس كذلك؟ انها ليست حماية لاوكرانيا، انه تهديد لاوكرانيا بحرب كبرى. انه تهديد استراتيجي خطير لروسيا بالنسبة لأي زعيم روسي. الآن، الأمر مفهوم بشكل جيد “.
يورونيوز:
“ إن نظرنا إلى الوضع الحالي في أوروبا، هناك ظاهرة أخرى مثيرة للاهتمام . اليونان تتوجه نحو الشرق، على أية حال، هذا ما تتمناه حكومة سيريزا. كذلك حزب بوديموس، انه يكتسب قوة في إسبانيا وفي المجر. هل هناك إمكانية أن تتغير أوربا لتصبح أكثر تلائماً مع المصالح الروسية؟ “
نعوم تشومسكي:
“لنلقي نظرة على ما يحدث. وضع المجرمختلف تماما. سيريزا جاء إلى السلطة على أساس موجة شعبية تظهر بان على اليونان أن لا تخضع لسياسات بروكسل والبنوك الألمانية التي تدمر البلاد. هذه السياسات أدت إلى زيادة ديون اليونان بالنسبة لإنتاج ثروتها. حوالي نصف الشباب هم من العاطلين عن العمل، و 40٪ من اليونانيين يعيشون تحت خط الفقر”.
يورونيوز:
“ هل يجب إلغاء ديون اليونان؟ “
نعوم تشومسكي:
“أجل، كما حدث مع ألمانيا. في العام 1953، أوروبا ألغت معظم ديون ألمانيا. فقط لتتمكن ألمانيا من إعادة بناء ما خربته الحرب.”
يورونيوز:
“لكن ماذا عن الدول الأوروبية الأخرى …؟ “
نعوم تشومسكي:
“ القصة نفسها”.
يورونيوز:
“ اذن، هل يجب الغاء ديون البرتغال واسبانيا أيضاً ؟ “
نعوم تشومسكي:
“من تسبب بتكبيد هذا الدين؟ ومن هو مستحق هذه الديون؟ الحكام المستبدون هم سبب تكبيد جزء من هذه الديون. في اليونان كانت الدكتاتورية الفاشية التي دعمتها الولايات المتحدة . أعتقد أن الدين كان أكثر وحشية من الدكتاتورية، في القانون الدولي يطلقون عليه اسم “الدين الكريه“، دفعه ليس ضرورياً. الولايات المتحدة هي التي أدخلت هذا المبدأ في القانون الدولي، حين كان هذا في مصلحتها. جزء كبير من بقية الديون، ما أطلق عليه اسم المدفوعات إلى اليونان هي في الواقع مدفوعات للبنوك ولألمانية والبنوك الفرنسية، التي كانت قد قررت تقديم قروض تنطوي على مخاطر كبيرة، وبفائدة منخفضة، الآن انها تواجه حقيقة عدم امكانية تسديدها “.
يورونيوز:
“ سأطرح عليكم سؤالاً من جيل غريبايدو، يسأل: “كيف سيتم تغيير أوروبا مستقبلاً أمام هذه التحديات الوجودية ؟” هناك الأزمة الاقتصادية، وصعود القومية، وكنتم قد وصفتم أيضا بعض التصدعات الثقافية التي ظهرت في جميع أنحاء أوروبا. كيف ستتغير أوروبا؟ “
نعوم تشومسكي:
أوروبا لديها مشاكل خطيرة. بعض المشاكل ناجمة عن السياسات الاقتصادية التي صممهها البيروقراطيون في بروكسل والمفوضية الأوروبية وغيرها، بضغط من حلف شمال الاطلسي والبنوك الكبرى، وخاصة الأألمانية منها. أنهم يريدون أن تسدد قروضهم واستثماراتهم الخطرة والخطيرة. بيد أن هذه السياسات تعمل على تآكل دولة الرفاه، التي لم يحبونها أبدا. بيد أن دولة الرفاه هي الشيء الذي ساهمت فيه أوربا مساهمة كبيرة في المجتمع الحديث، لكن الأغنياء والأقوياء لم يرضوا بها. هناك مشكلة أخرى في أوروبا هي العنصرية. شعوري الدائم كان أن أوروبا أكثر عنصرية من الولايات المتحدة. هذا لم يكن مرئياً في أوروبا لأن الشعوب الأوروبية ، في السابق، كانت تميل إلى التجانس. إن كان الجميع أشقر وبعينيين زرقاوين ، فإنكم لا تبدون عنصريين، لكن حالما يبدأ السكان بالتغيير، تظهر العنصرية بسرعة كبيرة. وهذه مشكلة ثقافية خطيرة في أوروبا. “
يورونيوز:
“ لأن الوقت محدد، سؤال أخير من روبرت لايت، حول نقطة أكثر إيجابية. يسأل: “ما الذي يمنحك الأمل؟”
نعوم تشومسكي:
“ ما يمنحني الأمل هي بعض الأشياء التي تحدثنا عنها. مثلاً استقلال أمريكا اللاتينية . له أهمية تاريخية كما رأينا في مؤتمر قمة الأمريكتين في بنما. في الاجتماعات الأخيرة في نصف الكرة الغربي، الولايات المتحدة كانت معزولة تماما. انه تغيير جذري بالنسبة للسنوات العشر أو العشرين الماضية حين أخطأت الولايات المتحدة في شؤون أمريكا اللاتينية. في الواقع، هذا هو السبب الذي جعل أوباما يلتفت إلى كوبا في محاولة للتغلب على عزلة أميركا. فالولايات المتحدة هي التي عُزلت وليس كوبا. ربما انها ستفشل. سنرى. علامات التفاؤل في أوروبا هي سيريزا وحزب بوديموس.
نأمل بانتفاضة شعبية ضد السحق والسياسات الاقتصادية والاجتماعية المدمرة التي تأتي من البيروقراطية والبنوك، هذا هو الأمل. أو يجب ان يكون. “
إيزابيل كومار:
“نعوم تشومسكي، شكراً لحضورك معنا.”