نبذة مختصدرة عن تاريخ الكتاب والنشر بالمغرب
مرحلة ما قبل الحماية
كان المغرب من بين آخر دول المنطقة العربية والإسلامية التي تبنت تقنية الطباعة. وقد أدخلت آلة الطباعة الحجرية بداية لمدينة مكناس إبان حكم محمد الرابع في سنة 1865، قبل نقلها لاحقا لمدينة فاس. أما تقنية الطيع المستخدمة للحروف المنضدة والمتحركة فقد اعتمدت في طنجة سنة 1880، وخصصت لطباعة الجرائد المكتوبة باللغات الأوربية. ولم تنقل لعاصمة المملكة إلا في عهد السلطان مولاي حفيظ سنة 1908، بعد سلسلة من المحاولات الفاشلة.
وفيما عدا مسألة تأخر إدخال الطباعة إلى البلد، يبدو أنها لم تشكل قط جزء من مشروع يهم تحديث الحقل الثقافي ولا حتى تجديد القطاع التربوي، والدليل على ذلك أن فحصا سريعا لقائمة العناوين التي طبعت خلال الفترة الممتدة من سنة 1865 إلى غاية تاريخ إقرار الحماية، والتي بلغ عددها حوالي خمسمائة عنوان، يظهر أنه، باستثناء مؤلف أقليديس (تحرير أصول الهندسة)، كانت أغلب المؤلفات المنشورة إما كتبا متداولة في القرويين منذ أزيد من قرنين من الزمان (مؤلفات الفقه أو اللغة) أو في المناقب أو في إطار مبادرات طبع القرآن الكريم سنة 1887 أو «كتاب إحياء علوم الدين» لأبي حامد الغزالي سنة 1879، والتي كانت موجهة بالأساس لإبراز سياسة السلطان الدينية.
مرحلة الحماية
حال الاستعمال التقليدي لتقنيات الطباعة دون تحقيق أي انتقال من ثقافة المخطوطات إلى عصر ثقافة الطباعة بالمعنى المتعارف عليه، على غرار ما حدث في مصر خلال القرن التاسع عشر حيث مكن ذلك الانتقال من بروز شخصية المثقف، الأمر الذي قلص أثر اعتماد الطباعة الحديثة بالمغرب لمجرد طبع عناوين من التراث الفكري التقليدي. واستمر الأمر على هذه الحال حتى بداية الثلاثينيات والظهور المحتشم لبعض العناوين التي ألفها علماء شباب تميزوا بنزعتهم الإصلاحية وبتوجههم الوطني أو مثقفون اشتغلوا في خدمة المخزن (الحجوي وعلال الفاسي وعبد الله كنون ومحمد المختار السوسي وغيرهم). وبحسب آخر جرد بيبليوغرافي يهم المطبوعات المغربية المكتوبة باللغة العربية والمنشورة بين سنتي 1865 و1956، يظهر أن المغرب طبع خلال هذه الفترة 1400 عنوان على الأقل، أي ما يعادل مجموع ما ينتجه بشكل سنوي في الوقت الحالي. وتتوزع العناوين المطبوعة عموما على الحقول المعرفية المعتمدة في التصنيف المكتبي وهي على الشكل التالي: في ما يخص المطبوعات العربية، يلاحظ أن إنتاجها لم يكن أكثر دينامية في فترة الحماية الفرنسية والإسبانية التي دامت لخمس وأربعين سنة، بالمقارنة بنشاط الطباعة في فترة ما قبل الحماية (47 سنة)، التي أنتجت قرابة 550 عنوانا، في حين لم يتجاوز مجموع الإصدارات العربية في عهد الحماية 800 عنوان، أي 17 عنوانا في المتوسط كل سنة.
علاوة على ذلك، شكل هذا الإنتاج امتدادا للتقاليد الفكرية التي طبعت مغرب ما قبل الاستعمار، حيث هيمنت حقول المعرفة الكلاسيكية الثلاثة (الدين والتاريخ واللغة/الأدب) وغطت ما يقارب 71 في المائة من الإنتاج المطبوع في تلك الحقبة. وعلى العكس من ذلك، وباستثناء بعض الأعمال الصادرة في المغرب لمؤلفين أجانب، لا يُعرف على وجه التحديد هل كانت هناك إصدارات عُنيت بالحقول المعرفية الجديدة (الاقتصاد والسوسيولوجيا والأنثربولوجيا واللسانيات والفلسفة وغيرها)، اللهم بعض الكتب التعليمية والدلائل أو المطويات الإدارية. وفيما يخص حقل القانون يلاحظ أنه، في الفترة التي نتحدث عنها، لم يستقل بعد عن الفقه وشكل جزء لا يتجزأ من العلوم الدينية التقليدية. وبخصوص النصوص الأدبية المطبوعة في تلك الحقبة فتشكلت في أغلبها من قصائد دينية (الأمداح النبوية أو الأناشيد الصوفية) وجمعت في دواوين لا تتعدى في الكثير من الحالات عشر صفحات.
مرحلة الاستقلال
بعد الستين سنة التي تلت الحصول على الاستقلال، شهد مجال النشر في المغرب تطورا على مرحلتين: فترة السنوات العجاف (1955–1984). خلال العشريات الثلاثة التي أعقبت الاستقلال، بالإمكان القول إن التركيبة السوسيوثقافية للبلد لم تختلف كثيرا عما كانت عليه في مرحلة ما قبل الاستقلال، وهو ما جعل التعامل مع كل ما هو مكتوب لم يختلف هو الآخر، مما ساهم في جعل الكتاب حكرا على فئة قليلة من القراء. وفي أواسط الثمانينات، تميز مجال النشر في المغرب بنشاطه المحدود وبدا وكأنه ما زال يعاني من تأثير الظروف الثقافية والسوسيو-سياسية التي رافقت نشأته. هذا بالإضافة إلى محدودية السوق الوطنية ومنافسة الإنتاج العربي القادم من الشرق، وخاصة من مصر ولبنان. وهي عوامل أسهمت في الإبقاء على البلد في وضع المستورد للكتاب العربي المطبوع في الشرق الأوسط وللكتاب الفرنسي الصادر في فرنسا. كما دأب عدد كبير من المؤلفين المغاربة في تلك الفترة، سواء ممن كانوا يكتبون بالعربية أو بالفرنسية، على نشر أعمالهم في الخارج (خصوصا في فرنسا ولبنان). في أواسط السبعينيات والثمانينيات، تجلى ضعف مجال النشر المغربي بالخصوص في ضيق شبكة المطبعيين (125 وحدة)، والناشرين (20 وحدة)، الذين تمركز أغلبهم في المدينتين الجامعيتين الرباط والدار البيضاء. وحتى الإنتاج السنوي للبلد نهاية تلك الفترة (أواسط الثمانينيات) فبالكاد بلغ 350 إلى 400 عنوان، مع وجود نوع من التكافؤ بين العربية والفرنسية، وهو ما شكل إحدى أهم سمات حقل النشر المغربي في السنوات التي أعقبت الاستقلال. أواسط الثمانينيات الانطلاقة النسبية للنشر بالمغرب: في أواسط الثمانينيات، تضاعفت وتيرة الإنتاج السنوي في حقول الأدب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، وهو ما شكل بداية نهاية التكافؤ اللغوي (العربي / الفرنسي) الذي ميز مجال النشر المغربي حتى تلك الفترة، مع تواصل تراجع نسبة الإنتاج الفرنكوفوني. وانتقل إنتاج الكتب في مرحلة أولية من 700 عنوان (1985–1995) ليبلغ 1300 عنواناً مع بداية عشرية 2010. من جهتها، اتخذت حصة الإنتاج العربي منحى تصاعديا مع مرور السنوات وتبعا لزيادة حجم الإنتاج في مجال النشر، وانتقلت من 50% (في الثمانينيات) إلى 70% (التسعينيات) إلى 80% ابتداء من سنة 2010. يشار أيضا إلى أن الكتاب الأمازيغي الذي ظهر أواسط الثمانينات ما زال يجد صعوبة في إيجاد موطئ قدم له، مما يجعل إنتاجه المحصور أساسا في الأعمال الأدبية (السرد والشعر) لا يتجاوز 1,5% من مجموع العناوين الصادرة كل سنة. وذلك على الرغم من العمل الذي يقوم به المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والتطور الذي يعرفه تدريس اللغة الأمازيغية. ساهمت التحولات الاجتماعية والثقافية التي شهدها المغرب مع بداية الثمانينات (التمدن، الانتقال الديمغرافي، ارتفاع عدد الجامعات وعدد الطلاب وبالتالي زيادة أعداد حاملي الشهادات، الخ.)، في ارتفاع عدد المطبعيين بشكل كبير، في حين بلغ عدد الناشرين النشيطين 375 ناشرا في (2014–2015) بعدما كان جد محدود في سنوات الثمانينات، غير أن 32 ناشرا منهم فقط يتمكن من إصدار أزيد من 10 عناوين فأكثر في السنة. كما أن توزيعهم الترابي لم يعد محصورا هو الآخر في المحور التقليدي للدار البيضاء – الرباط وإنما توسع ليمتد إلى كبريات المدن المغربية (طنجة، مراكش، فاس، وجدة، أكادير… الخ).
محمد الصغير جنجار