علال الفاسي : تاريخ المغرب – ج1
قال عنّي الأستاذ اليابوري في رسالته عن الفنّ القصصي في المغرب، إنّي اتخذت لنفسي طريقة تشجيع الإنتاج المغربي وذلك ما جعلني أطنب في الثّناء على بعض القصص الّتي تشرفت بتقديمها للقراء. وإنّي أنتهز هذه الفرصة الثّمينة لأؤكّد –أوّلًا- أنّني أُحاول دائمًا أن تكون أحكامي موضوعيّة بقدر الاستطاعة، وليس التّشجيع الّذي يدفعني للإعراب عن رأيي، لأنّ الأدباء الذين قدّمت لهم أو عرضت منتوجهم لا يتوقّفون على مثل ذلك التّشجيع، ولكنّني –والحقّ يُقال- أُراعي ما أجده من إفادة وما أحسّ به من توافق في الفكرة، وشعور بأنّ الكتاب أو القصّة الّتي أعرضها من شأنها أن تخدم القضيّة المقدّسة الّتي وقفت حياتي على خدمتها.
وعلى كلّ حال فإنّ الكتاب الّذي أتشرّف اليوم بالحديث عنه لإخواني في هذه النّدوة أسمى من أن يوضع ما أقوله عنه في الإطار الّذي وضعني فيه الأستاذ اليابوري.
إنّ كتاب تاريخ المغرب الّذي ألّفه الأستاذ الجليل السّيد عبد الله العروي فذّ في موضوعه، وغني عن كلّ ثناء، لأنّه سدّ فراغًا كانت تتوقّف عليه المكتبة المغربيّة، وصدوره دليل على أنّ وعي النّخبة المغربيّة قد اتجه نحو اكتشاف الحقيقة الوطنيّة عن طريق البحث العلمي في مراحل تاريخ وطننا ككلّ لا يتجزّأ، كمغربٍ كبيرٍ موحّد، وكاجتماعيّات منبثقة من نموذجنا الوطني وتفاعلاته مع حضارات الشّرق والغرب الوافدة إلينا، ومحاولاتنا الإبقاء على حضورنا كأمّة لها كيانها الخاص ووحدتها التّرابيّة والثّقافيّة الّتي تعبّر عنها ردود فعلنا الواحدة فرادى وجماعات. إنّه عرض تاريخي لا يُقصد منه التّاريخ بقدر ما يقصد منه إعادة البناء لواقع اجتماعي وسياسي بمقدّماته وتناقضاته ونتائجه، واستنباط مغازيه وما يجب أن نتعلّمه منه لنجد حاضرنا ونبني مستقبلنا.
إنّ كتاب العروي ليس تاريخًا للمغرب، ولكنّه نظرات في تاريخ المغرب ما كان لنا أن نبصرها لولا تلك النّظارات الكاشفة الّتي وضعها المؤلف على عيوننا.
والأستاذ العروي كان وهو يعرض أحداث الماضي ويناقش الجوانب الّتي يراها منها المؤلفون الأجانب والمغاربة اليوم يقوم بعملية فرز يقصد بها توجيه الأنظار إلى نقط بحث عديدة جديرة بأن يتناولها المثقفون المغاربة بالدّرس العميق والاستنباط الحكيم، إنّه في ذلك ما كان يرمي إلّا إلى أداء رسالة وطنيّة تبعث الوعي في النّفوس بالحاجة إلى إبراز الماضي وإسقاط أضوائه على الحاضر واستخراج ما يجب أن يكون عليه المستقبل.
لقد بدأ المؤلف الكتاب بمقدّمة حلّل فيها في الصّفحة الأولى ادّعاءات الأجانب سوء الحظ الّذي رافق المغرب في تاريخه فجعله فاشلًا في محاولاته بناء استقلاله ووحدته، وقال إنّ سوء الحظّ الحقيقي هو وجود مؤرّخين غير أكفّاء من الأجانب مع ضعف النّقاد والمؤرّخين المغاربة، ولم يتم عتق التّاريخ أي تحريره من ادّعاءات المستعمرين في مُحاولات مثل السّاحلي، إذ الواقع أنّ تاريخ ما قبل 1940 لم يلحقه أي عتق (ديكولونيزاسيون).
ويُسجّل المؤلّف شعوره بأنّ تجاهل ما يكتبه المستعمرون أو التّقليل من أهميّته مضرّ وغير مُفيد، لأنّه يؤثّر –مثلًا- في القارئ الأمريكي، لا سيما والمغاربة مشغولون عن التّاريخ بحاجات الحاضر جاهلين أن ما يطبع به الأجنبي تاريخهم يؤثّر على حاضرهم. إنّ ذلك هو الباعث على إصدار هذا الكتاب (ص 2 وما بعدها).
ويتساءل العروي في ص 11 ما هو عمق وما هي عبقريّة وجراحة ما يكون تأخّرًا يجب استدراكه؟
ليس الغرض استعراض التّأريخ، ولكن معرفة العلاقة الّتي تربط مغربيًّا مهتمًّا بمستقبله بذلك التّاريخ! الرّباط الموجود بين المتطوّر والثّابت، وهذا ما يشرحه في القسم الثاني من كتابه عن الأيديولوجية العربيّة المعاصرة، وفي ص 271 من تاريخ المغرب يعود لهذه الفكرة عن المغرب الاستعماري ليُشير على ما برز من ظاهرة تحول نوعي في أبحاث المؤرّخين الأجانب الذين أخذوا يتراجعون ويُندّدون أحيانًا ببعض ما كتبه مؤرّخون استعماريّون وصليبيّون، وهذا واضح حقًّا في كتابات المختصّون في الشّؤون المغربيّة والعربيّة (لاوست، بيرك، إيف لاكوست)، ولكن نرى أنّ من الأوفق أنّه لو أضاف لهذه الظّاهرة ظاهرة تجديد في الادّعاءات والاتّهامات الّتي يقوم بها كتّاب ماركسيّون رودنسون مثلًا مع إعجابنا بموقفهِ من القضيّة العربيّة فإنّه في الوقت الّذي يشنع على كوني وبيرطران وغيرهما ممّن باعوا أقلامهم لصالح الفكرة الاستعماريّة لا يتأخّر عن تبنّي التّهم الّتي وجّهها مفكّرون أوروبيّون للمسيح والمسيحيّة في القرن الثّامن عشر وما بعده مع تصويبها لنبيّ المسلمين ودين الإسلام حياة محمّد والإسلام والرّأسماليّة، إلخ… ولكن الحقّ أنّ العروي انتبه لشيءٍ من هذا في حاشيته ص 223 حيثُ نبّه إلى أنّ جهودًا تُبذل (مع حسن النّية) لتكوين أيدولوجيّة الاستعمار الجديد.
إنّ فكرة المتطوّر والثّابت الّتي أومأ إليها الصّديق العروي فكرة عظيمة ليست فقط في ميدان البحث التّاريخي، ولكن حتّى في الجانب التّقدّمي الإنساني، التّقدّمي على العموم، وعمليّة الفرز هذه، المتطور والثّابت، يجب أن تكون أمام أعيينا لنعلم أن تغيّرًا مُطلقًا لا يُمكن ما دام الإنسان هو الإنسان موضوعيًّا، وبصفته العامل الأهم والباعث الأكبر في كلّ أحداث التّاريخ.
ما هو المغرب العربي؟ الاسم نفسه كان موضوع تلاعب من المؤرّخين الأجانب (ص 13) لكن المُهم في اختيار اسم المغرب ليس الجغرافية ولكن التّاريخ نفسه. وفي الحاشية يعود العروي ليعرض علينا لونًا من التّطوّر الّذي طرأ على أفكار الكتّاب الفرنسيين المتحرّرين أنّدريه جوليان -مثلًا- له كتاب عن تاريخ المغرب، لا أحد يمكنه أن يتهرّب من ضرورة اتّخاذ موقف إزاء هذا الكتاب، إنّه إذا قورن بالكُتَّاب الآخرين يُحكم له بخبرة قائله. لقد تحرّر من الكثير ولكنّه لم يستطع أن يتخلّى عن بعض الأحكام المُسبقة الّتي كانت تسوغها أوضاع ما قبل 1939 والتي أصبحت باطلة بعد عشرين سنة، والطّبعة الجديدة تُعتبر كتابًا ثانيًا، ولكن تلك الأحكام لم تتغيّر وينتقد كذلك ش. كورتوا و روجي لو تورنو، ويرفض مُطلقًا الأيديولوجيّات الّتي تملأهم، دون أن نتجرّد عن عواطف الودّ الّتي نضمرها لهم.
ونقد جوليان يستلزم نقد بورقيبة وعبّاس فرحات ودفتر الإصلاحات المغربيّة (ص 12).
إنّ الفصل بين تاريخ الأقاليم المغربيّة يتأتّى من كون التّاريخ يولد في هذا الجزء من العالم الّذي جاءته الحضارة من الخارج، وليس له سبب وجود إلّا في الآفاق الّتي يرفعها التّاريخ، وهذا الرّفع الّذي يهتمّ به كتّاب ما قبل التّاريخ وباحثو الأنتولوجيا يتركه العروي لمن يتصدّى لنقده من ناشئة البلاد، وهي مهمّة علينا أن نذكر بوجوب القيام بها، لأنّ المغرب الّذي يقول كثير من علماء الإنسان إنّ الرجل الأبيض امتهد فيه لا بدّ أن يكون تأنس وحده قبل أن يتّصل بغيره ومن ثمّ لا بدّ أن يكون قد أنشأ حضارة أولى قادرة على أن تأخذ وتعطي.
في صفحة 22: يُنبّهنا المؤلّف على أنّ البحث عن الأصل يتبع طريقًا معكوسًا إذ إنّ العودة إلى نهاية الألف الثّانية قبل الميلاد وهو الميدان الّذي لا يعترض للأبحاث الاستعماريّة، لأنّ المغاربة لا يعرفون عنه شيئًا لأنّ علم أصول الإنسان لم يتجاوز بعد المئة سنة من عمره. إنّه ميدان آخر للبحث يجب أن يتّجه إليه المغربي لمعرفة نفسه.
أصلُ الموضوع من اختصاص الأثريّين الأصليّين، وإلى الحرب الكُبرى الأولى، فرض جسيل نفسه أستاذًا لتاريخ المغرب قبل الإسلام، وفي سنة 1930وقع تقدّم في تاريخ المغرب وحلّ محل جسيل، ل. بالوت مُستعينًا بالأدب والحفريّات. فهل تغيّر الجوّ بالنسبة للمغرب؟ البربر، ما هو أصل لغتهم؟ ما هو أصل ثقافتهم بالمعنى الأمريكي؟ الجواب لا يعتمد إلّا على الأيدولوجيّة، لا على العلم الإيجابي. لقد تساءل جسيل منذ البداية عن الأصل الرّوماني؟ وبقي الأمر كذلك حتّى الحرب الثّانية حيثُ تبيّن أنّ الصّحراء يبست بعد أن كانت مخضرة قبل وقت قريب نسبيًّا (ألف سنة لا عشرات الآلاف من السّنين). وقد تبع هذين النّظريتين تفاؤل باطنه تشاؤم عن مستقبل الشّمال الإفريقي وبقي التّفاؤل في أصل البربر أنفسهم، هل هم من أصلٍ أوروبّي؟ هل هم من أصلٍ شرقي؟ لا ترجيح، والعروي نفسه لا يبتّ برأيه في هذا الموضوع الّذي نعتبر البربر فيه ضحيّة حكم خارجي تأثر به ابن خلدون من قلّة العطف الّذي كان عند ابن حزم على سكّان العدوة المُمتدّة جيوشهم للأندلس، وأرجو أن لا يتأثّر به مؤلّفنا، فالبربر سكّان هذه الأرض الّتي أصبحت عربيّة من المحيط إلى الفرات هم عرب بقدر ما هم المصريّون والسّوريّون وحتّى ذريّة إسماعيل، عربًا.
أمّا اللّغة فالرّجحان لشرقيّتها، إلّا في ما يرجع لبعض الهواة الّذين ما يزالون يُكوّنون نظريّاتٍ مُتناقضةٍ. فآثار ليبيا ساكتة، لأنّه لم تحلّ رُموز الحفريّات لاستبانة أصل الأبجديّة اللّيبيّة.
ظلّ القول بأنّ الأصل المغربي مُتعدّد، منقول لا خالص، محلّ الاختلاف على الأصل الغربي أو الشّرقي للمغاربة، وكلّ ذلك في إطار علم كل يوم يتغيّر بتغيّر مكتشفاته (ص 25) (وانظر التّعليق رقم 10).
علم الأثر المغربي هو علم المقيمين والمديرين الفرنسيّين خاضع لهم، وفي ص 24-25 يُعطينا المؤلّف أدلّة ذلك. أمّا المغاربة فهم عاجزون عن مُعارضة الأيديولوجيّة الاستعماريّة في تاريخ ها العقد القديم لأنّ المصادر العربيّة لا تُفيد، مع أنّ الإبقاء على ما يدّعيه القوم مضرّ بالثّقافة المغربيّة، وهذا إرشاد آخر لمجال للبحث يجب أن يتّجه إليه أبناء وطننا.
ومع أنّ جامعة الجزائر ليست أقلّ سيرًا مع التّيار فإنّها أوّل من تنبّه إلى أنّ المصادر الثّلاثة:
1- الكتابات اللّيبيّة، غير مقروءة وعديمة الفائدة.
2- الأدب اليوناني اللّاتيني صعب التّأويل.
3- الحفريّات المُعرّضة لسرقة الهواة لا تكفي لإصلاح ما أفسده الاستعمار حتّى عن حسن نيّة.
ما الفرق بين المرتبين والمستعمرين وتثبيت الهواة ما يتحدّث عنه الأثريّون قبل جسيل على أنّه فرض ما يزال قيد البحث؟ كلّ ذلك يجعلنا نشعر بمقدار الخطأ الّذي يقع فيه كلّ من يُحاول تكوين راي دون حذر كبير.
تلك هي الحقبة الأولى من تاريخ المغرب القديم، ومن استعمار لآخر، في الألف الثّانية ق.م. حين اقترب المغرب من الغرب والفينيقيين لا يوجد له تاريخ إلّا في كتابة أولئك، عن الرّومان، وعنهم بواسطة الفينيقيّين (ص 32 ف 2). وإذا لم يكن لذلك موجب وأسفاه فينبغي التّنبه لأثره على تاريخنا الحديث، إذ يتحدّثون في جميع الكتب المُتعلّقة بهذا العهد عن روما فقط. هل هناك آثار بربريّة؟ نعم ولكن من يجرؤ على تحقيق وقتها؟ ومن ذا الّذي لا يُحاول أن يجعلها من تراث الرومان؟ لأنّهم كما يقول المثل لا يقرضون إلّا الأغنياء. فهل نعجب إذا رأينا كلّ التّاريخ يوضع تحت عنوان تاريخ الرّوم؟
وإنّما لمُلاحظة عميقة هذه الّتي يُنبّهنا فيها العروي إلى ضرورة دراسة هذه الآثار المُتراكمة لدينا في شتّى المراكز الأثريّة في المغرب العربي؟ لقد جاء الرّومان وغيرهم للمغرب، ولكن هل كانوا وحدهم أم كان هنالك مغاربة؟ وقبل أن يجيء الرّومان وبعد ذهابهم فماذا فعل المغاربة؟ لماذا لا تكون هذه الآثار أو بعضها من صنع البربر؟ ذلك ما يحتاج لكسر المرآة الاستعماريّة، والبحث المغربي المستقل، وذلك ما يتطلّب بتكوين مُتخصّصين في شتّى العلوم المُتعلّقة بالآثار والحفريّات وأصول التّاريخ.
وهل يمكن أن نعرف شيئًا عن الحالة الاجتماعيّة في ذلك الإبان؟ نعم إن التّشريع الاقتصادي والضّريبي يسمح بمعرفة حالة المغرب الاجتماعيّة. كانت الملكيّات في يد الإمبراطور وكبار المستعمرين، ولم تكن الحروب مع قرطاجة ويوجورتا وجوبا إلّا لغاية نزع الأرض من يد المغربي، وكلّ الثّورات الأهليّة العامّة والخاصّة كانت من أجل الأرض (ص 38).
وفي القرن الثّالث حلّ تاريخ الكنيسة محلّ الرّومنة. وأصبح الأدب المسيحي ينتشر في إفريقيا الشّماليّة الخضوع لروما بتوافق السّلطتين الزّمنيّة والدّينيّة (من ترتيليان إلى سان أوجستان). وحتّى حينما تمّ الصّلح في بداية القرن الرّابع بين الأسقفيّة وروما، بقي أغلب الشّعب وفيًّا لذاتيّته وكيانه الوطني أمام روما، وأصبح الحديث عن الشّهداء مقرونًا بالعداء للإمبراطور الدّجال. وهكذا تبلور الانضمام السّياسي إلى الانفصال الدّوناتي دون اعتبار لما يؤثّر ذلك من غضب على الكاثوليكيّة، لأنّ هذه أيّدت الفوارق الاجتماعيّة.
من المُفيد دراسة هذه المرحلة، وأحاديث الشّهداء، لأنّه يُعبّر عن تنفّس الشّعب المغربي إزاء الضّغط الكاثوليكي الرّوماني وخيانة رجال الكنيسة مثل أوجستان (ص 39).
ولكن تاريخ الشّعوب لا يعرف إلّا من داخل البلاد وأحوالها فلا ينبغي أن ننتفخ تاريخيًّا بما هو لروما (ص 41).
العنصر الجديد الّذي دخل الميدان في القرن 6، الفينيقيّون الذين استوطنوا المدن الرئيسية، هل بسطوا نفوذهم على المغرب؟ هل استقدموا الذّهب من إفريقيا؟ إنّ الإمبراطوريّة القرطاجيّة إسقاط عكسي للاستعمار البرتغالي في القرن الخامس عشر، ستبقى قرطاجة بالنسبة لنا بواخر في بحر مداد إفريقيا (ص 42).
ويبدو أنّ الأستاذ العروي هنا يحكم على القرطاجنيين كأجانب جاءوا على الصّفة نفسها الّتي جاءت بها الروم أو الوندال، وهي نظريّة يميل إليها الكثير من مؤرّخي الشّمال الأفريقي من مواطنينا، ولكنّني ما زلت مُؤمنًا بأنّ الفينيقيّين لم يجيئوا بالكثرة الّتي يتحدّث بها المؤرّخون غربيّون ومغاربة. شأنهم في ذلك شأن المبالغة في الهجرة العربيّة والهلاليّة على الخصوص، والفينيقيّون جاءوا تُجّارًا ومُغامرين وامتزجوا بمدينة قرطاجة الّتي تثبت تاريخيًّا أنّها كانت معروفة في المغرب قبل مجيء الفينيقيّين. أنشأها البربر كما أنشأوا غيرها من المدن الّتي تشبه في أساليب بنائها الهندسة المتوسطيّة. وكانت قرطاجة (*) عاصمة الملك البربري أرباس، وأمّها الفينقيّون للتّجارة وانتشرت جاليتهم فيها وفي أطرافها فأصبحت الحضارة الفينيقيّة بارزة فيها سنة 810 وصار الفينيقيّون مغاربة في نظرهم وفي نظر البربر. واستطاع أذكياء منهم أن يكونوا أسرة حاكمة في الدّولة القرطاجيّة ثار عليها الأهالي أحيانًا وتعاونوا معها أخرى ولكن لم يُعاملوها قطّ مُعاملة روما أو غيرها من المستعمرين (يُمكن الرّجوع لمقدّمة كتابي الحركات الاستقلاليّة في المغرب العربي (ر.ح).
إنّ قرطاجة دولة مغربيّة لا استعماريّة، وليس من اللّائق أن تُضحّي بالحضارة الّتي تسمّت باسمها وهي من صنعنا نحن المغاربة.
أمّا صلة قرطاجة بالذّهب الإفريقي فلا شكّ أنّها الصّلة نفسها الّتي كانت للسّوريّين والمصريّين في تجارتهم مع المغرب، وكبلدٍ مشتف كسائر البلاد الّتي تقع فيها تجارة الترانزيت.
على أنّ العهد لم يطل حتّى جاء الفتح الإسلامي، وحالة الذّهب في العالم على الشّكل الّذي ذكره (موريس لومارد) في بحثه القيّم ‹‹القواعد النقديّة لتفوّق اقتصادي›› المنشور في مجلّة ANNALES عدد 2 من السّنة 2 (143).
——-
(*) أكد الرئيس علال أنها قرطاجة و ليس قرطاجنة كما يكتبها بعض المؤرخين لأن هذه جاءت في إسبانيا.
إقرأ أيضا: