أن ترحل رضوى عاشور
“أكتب.. لأنني أحب الكتابة و أحب الكتابة ..لأن الحياة تستوقفني، تدهشني، تشغلني، تستوعبني، تربكني، و تخيفني و أنا مولعة بها”.
هكذا ودعنا هرما من أهرام الأدب العربي.. و رمزا من رموز النضال الأكاديمي.. مع آخر أيام تشرين الثاني…
رحلت الموسوعية علما و مشاعرا… رحلت هادئة كمعزوفة على مقام الشجن.. رحلت و تركت لنا إرثا من أحاسيس الخوف و السكينة، الحرص و الشجاعة، الطيبة، الجد و الصرامة، الدعابة و الفكاهة، الود و الوصال، لوحدة و الانفصال عن الواقع، اليقين و الإيمان، و الشك الذي تنزله كُتبها بقلوبنا.
إن قراءة كتبها ينمي رقة في القلب، و حزن بالمشاعر، و جراحا في الضمير، و غربة في الهوية، و تضادا قويا بين علم و جهل، بين عدل وظلم يفجر في الضمير قشعريرة حرة ينتفض لها الجسد، فتتلون العين إثر دمعة ليس لك عليها من سبيل…
كُتب رضوى تتوغل في النفس… تستقر في الخيال… و إذا لم يكن للخيال حدود، فللتاريخ أصل ممدود، و للحكاية ورد مورود وما الكاتب إذ لم يكن هرم زجاج شفاف ثلاثي الوجوه وجها للأمل و وجها للعمل وووجه للتاريخ وجوه ثلاثة على قاعدة من الصدق النضير ..
لا أحد يجرؤ على الرحيل مخلفا وراءه كل هذا الحب… وهكذا هي رحلت…
قدمت لنا رضوى إنجازات روائية و إبداعات أدبية ودراسات نقدية .. قدمت أعمالا رصينة تجمع بين ثراء المضمون وعمق الأفكار المطروحة… تجعل منها قطب مدار الفكر العربي الحديث.
و إن كانت رضوى رمزا ثقافيا فإنها روح وطنية كبيرة حاضرة في كل المشاهد الإيجابية و المواقف النضالية ..روح نابضة بالحياة والفكر و الحرية، والتأمل، و الإيمان بكل القيم الراقية… إنها باقة من أزهار جنة فكرية مترامية…
نضالها جعلها نموذجا للمثقف ذو الضمير الحي …جعل بوصلتها منضبطة للوجهة الأصح.. و جعل من مشوارها الأدبي والفكري على حد سواء متفردا ..ثريا..و راسخا!
عرفناك خلف الكتب، رأيناك بين الكلمات… و عشقناك بين السطور(ومن لا يحب السيدة راء)… فسلام لروح خالدة تمنحنا النبل و الأمل و النضال..
محزونون على فراقك، و لا عزاء لنا في رحيلك سوى ما تركته لنا من أدب جميل وسيرة عطرة ومواقف مشرّفة…