النشر بالمغرب .. حصيلة هزيلة في التأليف و الترجمة
أصدرت مؤخرا مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية و العلوم الإنسانية، تقريرا عن نشاط النشر في مجالات الأدب و العلوم الإنسانية و الاجتماعية لسنتي 2014 و 2015 بالمغرب. و يتوخى هذا التقرير، الذي تم إنجازه تحت إشراف الدكتور محمد الصغير جنجار، كما جاء في تقديمه، إلى توفير معلومات بيبليومترية مفصلة عن المنشورات المغربية بغية تجاوز الأحكام و التعاليق الانطباعية عن واقع النشر المغربي، التي يكثر انتشارها في وسائل الإعلام نتيجة غياب المعلومات الدقيقة.
و استهل التقرير بنبذة مختصرة عن تاريخ الكتاب و النشر في المغرب منذ مرحلة ما قبل الحماية (دخول آلة الطباعة الحجرية للمغرب)، إلى اليوم مرورا بفترة الحماية التي عرفها المغرب من طرف كل من فرنسا و إسبانيا. و قد أوضح الدكتور الصغير جنجار، في هذه النبذة، على أن المغرب لم يستفد من إدخال الطباعة إلى البلد، و هو الدخول المتأخر بالمناسبة مقارنة مع دول المنطقة العربية و الإسلامية، لتحديث و تجديد الحقلين الثقافي و التربوي، و هو الأمر الذي تدل عليه قائمة العناوين التي طبعت خلال الفترة الممتدة بين سنة 1865 إلى غاية تاريخ إقرار الحماية، إذ اقتصرت أغلب المؤلفات المنشورة، التي بلغ عددها الخمسمائة عنوان، على الكتب المتداولة في القرويين منذ أزيد من قرنين من مؤلفات الفقه و اللغة و غيرهما. و لم يستثن من هذه القاعدة سوى مؤلف أقليديس، تحرير أصول الهندسة.
و قد خلص التقرير، إلى أن معدل الإنتاج السنوي للكتب في حقول الأدب و العلوم الإنسانية و الاجتماعية، خلال العشرية الممتدة بين سنتي 2004 و 2013، قد عرف نموا، إذ انتقل من 1000 عنوان خلال أواسط سنوات 2000 إلى 1300 عنوان في مطلع العشرية الحالية. لكنه يبقى رقما متواضعا مقارنة مع دول مثل فرنسا (60.000 عنوان سنويا) أو مصر (10.000 عنوان سنويا).
أما بخصوص سنتي 2014 و 2015، التي تغطيهما هذه الدراسة، فقد أحصى التقرير ما قدره 2448 من عناوين الكتب و 144 عنوان مجلة أصدرت 328 عددا. و تطغى اللغة العربية على المنشورات المغربية، إذ تمثل ما نسبته 82 في المائة مما نشر سنتي 2014 و 2015، مقابل 15.5 في المائة للفرنسية و 1.1 في المائة فقط للأمازيغية. في حين أن اللغتين الإنجليزية و الإسبانية لم تتعديا الواحد في المائة، لكل منهما، من مجموع النشر السنوي المغربي.
هذا و قد تبوأت الأعمال الأدبية قائمة الإصدارات بنسبة 24 في المائة، في حين هيمنت المجالات الأدبية و المعرفية السبعة (الأعمال الأدبية، القانون، الاجتماع، الدراسات الإسلامية، التاريخ، الدراسات الأدبية و السياسة) على حصة الأسد من مجموع الإصدارات بنسبة 81.5 في المائة.
و أكدت الدراسة ما سبق أن ذهب إليه الأستاذ محمد الشرقاوي، حول تنامي تركيز أعمال الباحثين المغاربة، المشتغلين في مجالات العلوم الإنسانية و الاجتماعية، على المحيط و القضايا المحلية. إذ مثلت المنشورات موضوع الدراسة -بما فيها الإبداعات الأدبية- التي تتناول المجال الوطني بالدرس نسبة 74 في المائة من مجموع العناوين الصادرة، أي 1811 عنوانا، مقابل 4 في المائة تناولت أوروبا بالدرس، و 2 في المائة المغرب الكبير و مثلها للأندلس الإسلامية. فيما مثلت المنشورات التي تناولت العالم العربي 1 في المائة فقط.
في باب الترجمة، وقف التقرير، على التطور الملحوظ الذي عرفته الترجمة مؤخرا مقارنة مع سنوات الثمانينات و التسعينات من القرن الماضي. إذ مثلت الترجمات نسبة 5 في المائة من المنشورات خلال الفترة 2014/2015، أي ما يعادل 119 عنوانا. و قد استأثرت الترجمة من الفرنسية بـ 70 في المائة من المنشورات، أي ما يعادل 68 عنوانا، و الإسبانية 14 في المائة (13 العنوان) و الإنجليزية 6 في المائة (6 عناوين). و فيما يخص لغة الاستقبال، فقد كانت أغلب الترجمات من نصيب اللغة العربية، بـ 81.5 في المائة (97 عنوان)، تليها الفرنسية بـ 14 في المائة (17 عنوان) و اكتفت الأمازيغية بعنوان واحد فقط.
و حول التأليف و الترجمة، استخلصت الدراسة أنهما مازالا مجالين ذكوريين بامتياز، حيث بلغت نسبة الذكور المؤلفين 87 في المائة، أي بما يعادل 2116 من المنشورات، و لم تتجاوز نسبة الإناث المؤلفات 13 في المائة، أي 325 عنوانا. و في الترجمة لم يتخطى عدد المترجمات النساء السبعة.
و كشف التقرير أن النشر على نفقة المؤلف من خصائص حقل النشر المغربي. إذ أن عدد المطبوعات التي يتم نشرها بمبادرة من المؤلف و على نفقته تفوق 35.5 في المائة، أي 870 عنوانا، و هو الأمر الذي يقلص من حظوظ توزيع هاته المؤلفات. و من جانب الناشرين المهنيين، فقد تم إحصاء 398 ناشرا مهنيا سنة 2014/2015، و أصدروا 1578 عنوانا، أي ما يعادل 64.5 في المائة من مجموع المنشورات السنوية. إلا أن معدلات سحب الكتب المغربية تظل حبيسة الألف و الألفين نسخة، باستثناء الكتب المدرسية. أما من ناحية الطبعات، فأغلب الكتب المغربية تعرف طبعة واحدة فقط (95%)، و 2.5 في المائة فقط من الكتب الصادرة سنة 2014/2015 صدرت في طبعة ثانية.
و أبرزت الدراسة أن معدل سعر الكتاب المغربي خلال 2014/2015 ما قدره 62 درهما، و هو سعر يقل عن مثيله في الجزائر بـ 34 في المائة، و 35.4 في المائة بتونس. إذ يصل معدل سعر الكتاب الجزائري إلى 94 درهم في نفس الفترة، أما الكتاب التونسي فمعدل سعره العمومي يعادل 96 درهم.