عرض كتاب : صندوق النقد الدولي.. قوة اقتصادية ومالية عابرة للحدود
من مقدمة كتابه (صندوق النقد الدولي قوة عظيمة في الساحة العالمية)، يبدأ المؤلف الألماني آرنست فولف، توجيه الانتقادات لسياسات الصندوق تجاه الدول الأعضاء، واتهامه بإفقار الشعوب لصالح فئات قليلة.
وتشارك 189 دولة حول العالم، في عضوية صندوق النقد الدولي ومقره واشنطن العاصمة، وتأسس عقب الحرب العالمية الثانية عام 1945، واخترقت بعثاته حدود الدول الأعضاء وغير الأعضاء، لتقديم الدراسات والاستشارات وحتى القروض التي يقدمها.
وتبدأ مقدمة الكتاب الصادر في إبريل/ نيسان الماضي ومكون من 262 صفحة، بعبارة: “هذا الكتاب هدية لبني البشر في إفريقيا وآسيا وجنوب أمريكا، الذين لا يستطيعون قراءته” متهماً سياسية صندوق النقد الدولي بحرمانهم من الالتحاق بالمدارس.
وترى شريحة الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، أن سياسات صندوق النقد الدولي تجاه حكومات بلادها التي تطلب المساعدة، تتسبب عادة في رفع أسعار السلع والخدمات الأساسية وتزيد من مديونيتها.
ويقول فولف الذي يعمل صحفياً وأكاديمياً في كتابه، “من الناحية الرسمية، تكمن وظيفة الصندوق الأساسية في العمل على استقرار النظام المالي، ومساعدة البلدان المأزومة على تلافي ما تعانيه من مشكلات”.
ويستعرض الكتاب، تدخلات صندوق النقد الدولي في اقتصادات الدول، “في كل تلك التدخلات، لم يستخدم الصندوق أسلحة وجنوداً، بل كان يستعين بوسيلة غاية في البساطة وبوحدات من آليات النظام الرأسمالي، ونعني بها عمليات التمويل.. لذا ليس أمام حكومات البلدان المأزومة في الأحوال العامة غير قبول عرض الصندوق وتنفيذ شروطه”.
ويطرح الكتاب دولة تشيلي كمثال لسياسات صندوق النقد داخل اقتصادها، “بعد تولي أوجستو بينوشيه السلطة في تشيلي بعد انقلاب عسكري في سبتمبر/أيلول 1973، وتطبيق سياسات الصندوق التقشفية بشكل صارم، وقمع الاحتجاجات المناوئة لها بكل قوة، ارتفع معدل البطالة من 3% في عام 1973 إلى 18.7% في عام 1975، وبلغ معدل التضخم في الفترة الزمنية نفسها 341%.
وأفرز برنامج الصندوق تفاوتا اجتماعياً على مدى عقود من الزمن في الدولة اللاتينية، “ففي 1980 استحوذ 10% من سكان تشيلي على 36.5% من الدخل القومي، وفي 1989 على 46.8%، بينما تراجع نصيب الـ 50% الذين يقفون في أدنى درجات السلم الاجتماعي من 20.4% إلى 16.8% من الدخل القومي خلال تلك الفترة الزمنية.
ويشير الكتاب أن إجراءات صندوق النقد تشترك في خصائص ثلاث، هي: تحميل الجماهير العاملة أضراراً فادحة، وتحقيق منافع جمه للمستثمرين الدوليين، وتعزيز تبعية البلد المعني إلى أسواق المال العالمية.
ويقول المؤلف عن تدخل الصندوق في الاقتصاد اليوغسلافي سابقاً، إن “الصندوق لم يشارك فقط في دفع شعب يوغسلافيا الاشتراكية سابقاً وتعداده 24 مليون نسمة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي إلى التهلكة وحياة البؤس والحرمان من خلال برامج قروض، ولكن قدم مساعدات فعالة لتفكيك دولة متعددة الأعراق والأجناس”.
وخرجت في أكثر من مناسبة مسيرات شعبية في دول، كان آخرها البيرو في أكتوبر/تشرين أول الماضي التي استضافت اجتماعات الخريف للصندوق والبنك الدوليين حينها، وخرجت مسيرة احتجاجية في العاصمة ليما رفضاً لسياسات الصندوق الاقتصادية تجاه البلاد.
وعلى هذا النحو، يرى الكاتب أن برامج صندوق النقد الدولي تسببت في خسارة ملايين العمال لفرص عملهم، وباتوا محرومين من رعاية صحية فعالة، ونظام تعليمي مناسب ومسكن يراعي كرامة الإنسان.
وأحدث نشاطات عمل صندوق النقد الدولي حول العالم، كانت في مصر مطلع الشهر الجاري، وحصلت بموجبها القاهرة على قرض لثلاث سنوات بقيمة إجمالية تبلغ 12 مليار دولار.
ونفى وزير المالية المصري عمرو الجارحي قبل نحو أسبوعين، ما أثير على وسائل إعلام محلية حول نية البلاد، تسريح مليوني موظف لخفض فاتورة الأجور والرواتب، مقابل حصولها على القروض المالي.
ودافعت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد، منتصف يونيو/حزيران الماضي، عن “النهج ثلاثي الأبعاد” الذي تطبقه المؤسسة الدولية في التعامل مع الدول الأعضاء عبر محاور منسقة ومتزامنة ذات أبعاد “مالية ونقدية وهيكلية”، بهدف تحقيق الاستقرار الاقتصادي للدول.
ويقصد بالبعد المالي هو تحسين أوضاع مالية البلاد العامة (عجز الموازنة والدين العام)، أما البعد النقدي، فهو توفير السيولة اللازمة للحكومات عبر القروض والإيرادات المالية لتحقيق البعد الثالث، وهو تحقيق إصلاحات هيكلية في اقتصاد البلاد (زيادة فرص العمل، توزان نسب التضخم، وتوسيع الوعاء الضريبي).
ويقسم الكتاب، دور صندوق النقد لأربع مراحل أساسية، الأولى: في الخمسينات والستينات (عقدين من تمويل إعادة الإعمار)، والثانية مع بدايات السبعينات والاتجاه لإقراض دول العالم الثالث، والمرحلة الثالثة تلت انهيار الاتحاد السوفيتي، والمرحلة الرابعة هي المرحلة الحالية التي تعيشها عديد الدول ضمن سياسات تقشفية.
“إن 36 بلداً تعرضت خلال الفترة 1976 و1992، إلى سلسلة من الاضطرابات بسبب سياسات التقشف التي نفذتها حكومات هذه الدول استجابة لشروط الصندوق” وفق الكتاب.
ويجيب المؤلف عن سؤال: ما السبب الذي دفع بلداناً كثيرة للتوجه إلى الصندوق والانضواء تحت رايته كدول أعضاء؟ موضحاً أن المصارف التجارية ترى أن الدول الجديرة بالحصول على التمويل، هي تلك الدول فقط التي خضعت لشروط صندوق النقد الدولي.
وصدر الكتاب الذي طالعه مراسل الأناضول ضمن سلسلة “عالم المعرفة” التي يصدرها شهرياً المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت، في عدد (إبريل/ نيسان 2016)، وترجمه عدنان عباس علي.
وإرنست فولف، ألماني من مواليد 1950، ويعمل أستاذ الفلسفة في جامعة بريتوريا (جنوب إفريقيا)، اهتم بخصائص العلاقات المتبادلة بين الاقتصاد والسياسة، وركز منظوره على الأزمة المالية 2008 وأزمة اليورو، واهتم بدور صندوق النقد الدولي في إدارة الأزمات.